مصر هي الأجدر برئاسة الاتحاد الإفريقي والدليل هوالواقع والتاريخ
لا شك أن جمهورية مصر العربية كانت مهتمة دائما بقضايا القارة الإفريقية، وهذا الاهتمام شمل جميع النواحي وكافة المجالات في القارة، منها المجال الأمني والصحي والتعليمي والثقافي.
وكذلك مصر وقفت قديما بجانب كثير من الدول الأفريقية في كفاحها ضد الاستعمار ودعمتها في سبيل الحرية ونيل الاستقلال، وهذا معروف لدي الباحثين والمثقفين العرب والأفارقة.وكانت مصر عضوا فعّالا في الاتحاد الإفريقي وقدّمت مبادرات مهمة في النهوض بالاتحاد سابقا، كما ذكرت ذلك الهيئة العامة للاستعلامات بشكل مفصّل وهذه المبادرات كما ذكرتها الهيئة هي:
إنشاء جهاز آلية فض المنازعات الإفريقية، وكان من أبرز المبادرات المصرية منذ نشأة الاتحاد والذى طالبت مصر بإنشائه فى مؤتمر القمة رقم 28 واستمرت جهودها حتى تم الإعلان عن ميلاد الآلية فى 7 يونيو عام 1993م.
وهذه المبارة مهمة وحيوية للقارة، حيث تكثر في القارة النزاعات المسلحة، والحروب القبلبة والعرقية التي كانت تتكرر كما حدث في بروندي ورواندا والصومال في شرق أفريقيا.
كما اقترحت مصر فى القمة الإفريقية الثلاثين ( تونس – يونيو 1994م) إنشاء مركز مصرى لحفظ السلام وتدريب الكوادر الإفريقية وقد تم إنشاؤه فى عام 1995م.
كما قد تقدمت مصر باقتراح في القمة الإفريقية رقم ( 32 ) لحصول الدول الإفريقية الأعضاء في مجلس الأمن على عضوية تلقائية فى جهاز آلية فض المنازعات الإفريقية وذلك لدعم الآلية وخلق حلقة اتصال فاعلة لتكثيف التعاون بين الآلية ومجلس الأمن لحل المشكلات والنزاعات فى دول القارة.
كما تقدمت مصر أيضاً فى القمة رقم ( 34 ) باقتراح فى إطار تطوير آلية فض المنازعات وتفعيل دورها يقضى بتوفير الموارد سواء كانت مالية أو فنية للآلية وكذلك عدم الربط التلقائى بين مكتب هيئة القمة الإفريقية وبين تشكل الجهاز المركزى للآلية .
وكذلك اقترحت فى القمة الإفريقية الرابعة للاتحاد الإفريقى (أبوجا – 30 ، 31 يناير 2005) ثلاث مبادرات للتعاون بين دول القارة والتى تتلخص فى :
المبادرة الأولى :
إنشاء مركز إفريقي للأمراض المستوطنة والمعدية والأيدز تستضيفه العاصمة المصرية القاهرة ..عرضت مصر استعدادها لنقل خبراتها في مجال الصناعات الدوائية وتصنيع الأمصال واللقاحات لدول القارة وإعطاء خبرة مصر في مجال القضاء على مرض شلل الأطفال حيث كانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت في ديسمبر عام 2004 نجاح مصر في القضاء على شلل الأطفال في تجربة رائدة أشادت بها المنظمات الدولية .
المبادرة الثانية :
تمثلت فى دعوة مصر لاستحداث مجلس إفريقى لوزراء الكهرباء والطاقة الأفارقة تتبع المجلس الاقتصادى والاجتماعى للاتحاد الإفريقى نظراً لمحورية قطاع الكهرباء والطاقة كقاطرة نمو لباقى قطاعات الاقتصاد القومي آخذاً فى الاعتبار ما حققته مصر من إنجازات فى تطوير قطاع الكهرباء فى العشرين عاماً الماضية ونجاحها فى تصدير الطاقة الكهربائية عبر خطوط الربط الكهربائى إلى أوروبا.
المبادرة الثالثة
استعداد مصر لاستضافة المحطة الأرضية لقناة الاتحاد الإفريقى الفضائية لتحقيق التواصل بين ثقافات القارة من خلال بث الإرسال بمختلف لغاتها بالإضافة إلى استعداد مصر لوضع أقمارها الصناعية( النايل سات ) فى خدمة القناة الإفريقية الفضائية.
فى إطار الالتزام بقرارات منظمة الوحدة الإفريقية أعلنت مصر استعدادها لاستقبال عدد من البعثات الإفريقية للتدريب فى المجالات الزراعية ومجالات الرى والصناعة وإيفاد بعثات مصرية فى هذه المجالات إلى دول إفريقيا التى تعانى من هذه المشكلة بهدف النهوض بالزراعة فيها لمواجهة نقص الغذاء .
وقد أعلنت مصر خلال القمة الإفريقية رقم 34 بهراري عاصمة زيمبابوي ( 2 – 4 يونية عام 1997م ) تبرعها بمبلغ 100 ألف دولار لصندوق مكافحة الجفاف والمجاعة في إفريقيا .
كما أن هناك مبادرات أخرى على الساحة الإفريقية:-
- مبادرة مبارك للتعليم المتطور لقادة المستقبل الأفارقة (50 منحة جامعية كل عام).
- مبادرة المركز الافريقى للحد من الكوارث.
- مبادرة بث قناة النيل الدولية للدول الإفريقية.
- مبادرة إنشاء مركز للجنوب للتنمية الصناعية
- مبادرة إنشاء مكتب الاتصال الإفريقى للدعم الفنى فى مجال البترول.
هذه المبادرات تبرهن على اهتمام مصر الكبير بإفريقيا، وأنها دائما تهتم بمستقبل هذه القارة وبمستقبل شبابها للتقدم والتطور في جميع المجالات.
وهناك ملفات كثيرة اهتمت بها مصر، وأهم هذه الملفات الملف الصومالي الذي يعدّ من الملفات الأكثر تعقيدا، وسبّب مشكلة مزمنة في أروقة المحافل الدولية بعدما انهارت الدولة المركزية برئاسة محمد سياد بري في الصومال عام 1991م، ودخلت الصومال بعد ذلك في حرب أهلية طاحنة، وهذه الحرب سبّبت دمارا كبيرا للبنية التحتية في الصومال ودمّرت الاقتصاد وشرّدت الملايين من الصوماليين، وأدخلت الصومال في نفق مظلم، وسبّبت مجاعة شديدة في أطراف البلاد، بسبب استمرار الاقتتال الداخلي ما أدّى إلى توقف حركة التجارة عبر الموانئ الجوية والبحرية والبرية في البلاد، وما زال تأثيرالحرب الأهلية يُطلّ على الصوماليين وعلى البلاد العربية المجاورة وعلى القارة السمراء بصفة عامة؛ لأن الصومال تقع في منطقة حيوية من القرن الأفريقي، وفي ممر مائي مهم للتجارة الدولية التي تمر من باب المندب عبر قناة السويس.
من النتائج السلبية للحرب الأهلية ظهور القراصنة في السواحل الصومالية، وأصبحت القرصنة البحرية في هذه المنطقة معضلة تهدّد الأمن والاستقرار للملاحة في البحر الأحمر.
وتعرضت سفن كثيرة للخطف من قبل القراصنة الذين كان لهم نفوذ قوي في شرق الصومال، ويأخذون فدية من كل سفينة يختطفونها، وكانت المبالغ التي تدفع لهم هائلة جدا.
ولذا نرجو من مصر في ظل رئاستها للاتحاد الإفريقي تكثيف الجهود لإحلال السلام في الصومال، وقد سبق أن احتضنت العاصمة المصرية "القاهرة" في شهر ديسمبر عام ١٩٩٧م مؤتمرا للمصالحة اشترك فيه أكثر من ٢٨ من أمراء الفصائل الصومالية من بينها حسين عيديد – وهو ابن الجنرال محمد فارح عيديد والذي كان من المعارضين الأشداء لسياد بري - وعلي مهدي محمد في محاولة لتوحيد العاصمة الصومالية "مقديشو" التي كانت تتقاسمها الفصائل المتناحرة.
كما شاركت مصر في قوات حفظ الأمن الدولية في الصومال عام 1993م .
وفي هذه الفترة درّبت القوة المصرية ما بين 1500-2000 فرد من قوات الشرطة الصومالية ، وزوّدت هذه القوة بالأسلحة وأجهزة الاتصالات.
وهناك جانب آخر مهم وهو الجانب الثقافي، وهذا يتطلب الاهتمام باللغات الإفريقية المهمة في القارة السمراء، هناك لغات حيوية كلغة الهوسا واللغة الفولانية في غرب أفريقيا، كذلك اللغة السواحلية والصومالية والأمهرية في شرق أفريقيا، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، والاهتمام بهذه اللغات يسهّل التقارب بين هذه الشعوب الناطقة باللغات الأفريقية وبين الشعب العربي.
نعم يوجد مؤسسات علمية مصرية تقوم بتدريس اللغات المذكورة، لكن هذه المؤسسات بحاجة إلى مراكز ترجمة متخصصة في اللغات الإفريقية لتبادل الثقافات بين الشعوب الناطقة باللغة العربية والشعوب الناطقة باللغات الإفريقية.
وحركة الترجمة تساعد في تداخل الثقافات بين الشعوب بصفة عامة، واللغة كما لا يخفى هي أداة للتواصل ومهمة في كل الشؤون سواء كان ذلك في الشأن السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو المعرفي، وكما أن اللغة باب للثقافة، وسبيل للتقارب بين الحضارات.
ولا يخفى دور مصر في نشر الثقافة العربية والإسلامية من خلال الأزهر الشريف في جميع أنحاء أفريقيا، والمؤسسات التعليمية التي أقامت مصر في كثير من البلدان الإفريقية خير شاهد على دور مصر الإيجابي والبنّاء في هذه القارة.
كذلك مصر اهتمت بشباب القارة وقدّمت لهم مِنَحا دراسية في مؤسساتها التعليمية المختلفة، ومدينة البعوث الإسلامية شاهدة على هذا الاهتمام، وما زال هذا العطاء مستمرا إلى يومنا هذا.
فلا نستطيع حصر ما قدّمت مصر لأبناء أفريقيا في مجال التعليم وغيره من المجالات المختلفة.
وها أنا في بلدي الصومال درست اللغة العربية في مدرسة إعدادية أزهرية على أيدي أساتذة مبعوثين مصريين، كما أن هناك أشهر مدرسة ثانوية في العاصمة الصومالية "مقديشو" تحمل اسم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وكانت أفضل مدرسة ثانوية لدراسة اللغة العربية قبل انهيار الدولة المركزية بقيادة الرئيس محمد سياد بري.
ولا ننسى أن مصر تحظى بحب واحترام في القارة السمراء، وذلك ظاهر لمن يزور البلاد الأفريقية، ويسير فيها شرقا وغربا.
ومصر بخبرتها العريقة وقيادتها القوية وخبرائها المتمكنين وعلمائها المتخصصين وكوادرها المدرّبة إن شاء الله تعالى تستطيع أن تقود القارة السمراء في ظل رئاستها للاتحاد الإفريقي إلى الرقي والتقدم وإلى المستقبل المشرق، وإلى التعايش والسلم بين شعوب القارة السمراء جميعا.
بقلم الدكتور:
مؤمن يوسف عالم جيلي
مدرس اللغة الصومالية – بكلية الدراسات الإفريقية العليا